• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    إدارة المشاريع المعقدة في الموارد البشرية: ...
    بدر شاشا
  •  
    الاستشراق والقرآنيون
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    نبذة في التاريخ الإسلامي للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    عقيدة التوحيد، وعمل شياطين الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    الفلسفة الاقتصادية للاستخلاف في منظور الاقتصاد ...
    د. عبدالله محمد قادر جبرائيل
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / سير وتراجم / سير وتراجم وأعلام
علامة باركود

الذكرى العاشرة لرحيل الشيخ العلامة محمود عمر مشوح "أبو طريف"

فاروق مشوح


تاريخ الإضافة: 25/1/2010 ميلادي - 9/2/1431 هجري

الزيارات: 8984

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
هو عالمنا الجليل، وشيخنا المهيب، وأستاذنا الكبير/ محمود بن عمر مشوح "أبو طريف"، عليه من الله الرحمة والرضوان، الذي شهدناه بالروح لا بالجسد، وكتبناه على قلوبنا بالألم لا بالمداد، وحفظناه في ضمائرنا بلا رقم ولا حساب.

فقد صعدتْ روحه - عليه رحمة الله - إلى بارئها، مساء السبت، الثالث والعشرين من شهر شوال عام 1420هـ، الموافق 29 / كانون الثاني عام 2000 م.

أما نحن الذين عايشناه في حياته، وعاينَّاه في مختلف أحواله، ولازمناه في وجوده وغيابه، وخالطناه بالروح والقلب والجوارح، فما نراها ذكرى، ولا نحسبها خيالاً، بل نعدُّها شهودًا بلا انقطاع، ومعايشة مستمرة بلا توقف.

لقد عشنا معه قبل رحيله، ذلك الابتعاد القسري، وتلك الهجرة المفروضة، وكان معنا يشاركنا الهمَّ، ويشاطرنا المهمة، بل يقاسمنا الأفراح والأتراح، ويتحمل معنا أعباء الرحلة المضنية؛ حيث يأتينا من بعيد صوته الدافئ، وحكمته الراشدة، ونصحه السديد، وما هي إلا زيادةٌ في الشهود، وتجددٌ في اللقاء، وتمكينٌ للتواصل، كيف نعدُّها ذكرى، ونحن نلقاه – دائمًا - بِسَمْته المهيب، ووجهه الطلق، ومحيَّاه الباسم، وهدوئه الرزين، بل بحديثه العذب، ولغته الجميلة، ومنطقه البديع، وبديهته الحاضرة، ومؤانسته التي لا تكاد تتوقف، حتى يتجددَ في النفوس عرفها، ويتمكَّنَ من المشاعر أثرُها؟!

ونحن الذين كتب الله لنا النصيب الأوفى منه معرفةً ورفقةً وعلمًا، من هنا وجب علينا أن نكتب ما نكتب؛ كي نُذكِّرَ من ينسى، ونبينَ لمن لا يعلم عنه شيئًا - حتى ولو كانت هذه السطور - نحن الذين شهدنا ما لم يعلمه الآخرون، وعلمنا عنه ما لم يذكره الناسون، وعاينا فيه ما لَم يدركه المتعجلون، فماذا يمكن أن نقول للأجيال القادمة عن مثل هذه الشخصيات النادرة، والأعلام الباهرة، والأمثلة النبيلة؟!

• شاب نشأ في بيئة متدينة، يلتحق بمدرسة شرعية في العاصمة بعد دراسته الأولية في بلده، تحت رعاية والده الذي كان مفتيًا، وعالمًا موَقَّرًا، ينشر حقائق الدين، ويرعى الفضيلة، ويحض على مكارم الأخلاق؛ ولا بد أنه رأى في ولده محمود مخايل الذكاء، ورجاحة العقل، ومتانة الخلق، وقوة الشخصيَّة؛ فندبه من بين إخوته إلى هذه الدراسة في عُلُوم الدين، وفي منتصف دراسته قدَّر الله - سبحانه - على الوالد الوفاة، فاضطر الولد الشاب - الذي ناهَزَ في ذلك الوقت السابعة عشرة، أو كاد - أن يقطعَ دراسته المبكرة؛ ليخلف والده في منصب الإفتاء، عندما تصدى لتلك المسؤولية الكبيرة، والمهمة الثقيلة، حيث يقول فقيدنا عن تلك الفترة: "منذ بلغت السادسة عشرة من عمري لَم أجلس من أحد مجلس التلميذ من الأستاذ، ولم أتلقَّ تعليمًا منهجيًّا، ولَم أحصل على درجة علمية عالية، ولكني واجهت مسؤوليات الإفتاء بما تحتاج إليه من علوم معمَّقة ومتشعبة، وبجهد فردي، وبما منَّ الله عليَّ من حافظة قوية، وذهن لَمَّاح، وأرجو أن أكون قد أديتُ أمانة المنصب على نحو مقبول".

والحوادث في هذا الباب التي تروى عن الرجل أكثر من أن تحصى، وكلها فريدة في بابها، باهرة بين أضرابها، ولولا التطويل الذي لا يناسب هذا المقال، لسردنا أطرافًا متشعبة؛ منها هذا الجانب من شخصية الشيخ يصلح أن يكون قدوة لأبنائنا الذين ينشدون النجاح، ويطلبون معالي الأمور، ويترفعون عن سفسافها، ثم تأمل؛ ماذا قدمنا لهذه الأعلام المضيئة مِن تقدير، وما جزيناهم به من وفاء؟

• كان - رحمه الله تعالى - كريمًا سمحًا، وقدوته في ذلك رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كان كالريح المرسلة، وهو القائل: ((الكريم قريب من الله، قريب من الناس)) أو كما قال؛ فما كان في قلبه من يقين بما عند الله أوثق لديه مما عند أهل الأرض جميعًا، ولعل مما هو معروف عنه أن أضيافه لا يخرجون من بيته إلا وقد طَعِموا، وربما حضروا إليه بحوائج أخرى لا تزيد عن السؤال، أو سماع رأي ما، أو حل مشكلة عابرة.

• أما شجاعته الأدبية، فحدِّثْ ولا حرج، ومَن يستمع الآن إلى خطبه المسجلة في الأشرطة، أو يقرأ المنشور منها على "موقع أدباء الشام" برعاية الأخ الأديب عبدالله الطنطاوي، فسوف يرى العجب العجاب؛ ولقد ذكر الأخ عبدالله أن موقعه المذكور قد اكتسب شهرة واسعة بشخصيتين أبرز "الموقع" أدبهما، ونشر أفكارهما، وهما: أبو طريف وعلي أحمد باكثير، أما شجاعته في المواقف فهي موضع الإجماع؛ ولعل مِن أبرز تلك الوقائع ما كان بينه وبين رأس هرم النظام، يوم وقع الصدام بين السلطة والإخوان، عندما استدعاه المذكور، وكان يتفجر غيظًا، ويرغي ويزبد متهددًا متوعدًا، فأجابه بتمكن وحزم، وجرأة نادرة: "إن التاريخ والواقع لا يؤيدان موقفك، فقد فعل "غيرك"، فأعدم وقتل وسجن وشرَّد، وبعد ثمانية عشر عامًا عادت هذه البذرة للنماء والارتفاع؛ لأن التربة تلائمها، والجو يساعدها، والأولى أن تحقن الدماء، ويتعايش الجميع لبناء هذا البلد ورفعته".

• كان شيخنا - رحمه الله - عاليَ الهمة، صلب العزيمة، أبيَّ النفس؛ حمل المسؤولية شابًّا، وجلس للفُتيا فتى، طرير الشارب، غضَّ الإهاب، ومنذ ذلك الوقت كان صاحبَ القول الفصل، والحكم العدل، والرأي المسدَّد، والحجة الناهضة، وهذا تطلب منه أن يشمر عن ساعد الجِد، وأن يهجر الدعة، وينبذ الراحة، فقد أسهر ليله بالمطالعة، وقضى سَحَرَه بالدرس، وشغل نهاره بمواجهة السائلين والشاكين، وجلس معظم ساعاته لحل القضايا، وفض الخلافات، وكان يأخذ راحته القصيرة بين هذه المهام الجسام؛ ليعود إلى نشاطه العلمي، واجتهاده الصبور بين أسفار الكتب ومراجع البحث؛ فقد كان قارئًا نهمًا، وعقلاً حافظًا، وقلبًا ذكيًّا، ولسانًا طلقًا، وهمة تناطح السحاب، وربما فرغ من قراءة ما لديه من الكتب ولم يعد لديه الجديد منها؛ فكان يعود إلى المعاجم يقتلها بحثًا، ويستخرج كنوزها؛ حتى كانتْ لغتُه من أجمل اللغات، ومنطقه من أفصح ما يسمع المرء مِن منطق، وكان يحدث عن نفسه أنه يستعيد دواوين الفقه مرة على الأقل كل عام، هذا عدا الحديث والتفسير، وكتب الأدب شعرًا ونثرًا، كما ضرب سهمًا وافرًا فيما تُرجم من ثقافة الغرب بشقيه الرأسمالي والاشتراكي، وهذا شأن علمائنا السالفين الموسوعيين الذين يكتبون في كلِّ فن، ويتحدثون في أصناف العلوم، ويناظِرون في مختلف الثقافات، فما هو حظ أجيال أمتنا هذه الأيام من المحصول المعرفي الذي شهدناه من أولئك العلماء الأفذاذ؟!

• كان شيخنا - رحمه الله - واضحًا في أفكاره، صريحًا في طرحها، يطلب الحقيقة في مظانِّها، ويلاحقها أينما كانتْ، ويتحمل من أجلها الصعاب؛ فقد كان يتراجَع بشجاعة نادرة حين يعلم أنه على خطأ في قول أو عمل، وكان يقول: "أنا لا أستطيع أن أطلب الحقيقة إذا لم أركض وراءها في كل مجال وفي كل ميدان"، لم يكن تراجعه عن الخطأ مجاملة أو تصنعًا؛ بل كان جِبلَّة في كيانه العقلي، ولبنةً أساسية في بنائه الفكري، واسْمَعْه يتحدث في هذا المجال: "لقد أخذتُ العهد على نفسي منذ وعيت، ومنذ أن شددت علي إزاري أن أكون مع الحقيقة باستمرار، ولو أدى ذلك أن تنفرد هذه السالفة، لا يمكن أن أكون إلا مع قناعاتي، أَرَضِي الناس أم غضبوا، أما أن أعمل ضد قناعاتي فلا ثم لا"، ويتابع بعد كلام طويل: "إن الله لَم يقبل من أحد تقليد أحد، وإنما طالب الكل بأن يَتَمَتَّعوا بمزايا الإنسان، وخصال الرجال، وأن ينظروا إلى الأمور نظر الحر المتحرر"، فأين هذا من جحافل الهاتفين لكل ناعق، الراكضين وراء كل مخادع كذاب؟! ثم أين المناهج التربوية التي تصيغ الشخصية الإنسانية مثل هذه الصياغة السليمة الرائعة؟!

• كان شيخنا - رحمه الله - صاحب نظرة استشرافية مستقبلية، ينظر إلى حال الأمة وما هي عليه من جهل وتخلف بألم وحسرة، فيرى أنها مقصرة في كل مجال، وهي التي كانت قائدة الأمم، وعنها تصدر المعارف والأفكار البناءة؛ فكان يحض على العلم والعمل، بلا توانٍ أو تردد، وهو يرى "أن كل موضوع يصلح للإدراك هو موضوع من موضوعات العلم، والمسْلِم مطالب به"، ويقول: "الحض على العلم جاء مطلقًا "تعلموا العلم.. بإطلاق"، ومن هذه الإطلاقية في العلم والشمولية فيه لَم يتوقف عند معرفة علوم القدماء، وهذه مزية إسلامية بارزة، أما لماذا لا يجوز التوقف؟ فلأننا على أبواب تحولات جذرية في واقع مجتمعاتنا - نحن المسلمين - على أبواب مآزق حضارية على المستوى العالمي والإنساني، ولا يجوز أن نتصور أن ما عندنا من تراث يكفي؛ لأن هذا التراث نتاج عقول عاشتْ فترات تاريخية معينة، شهدت تحديات محدودة، استجابت لها استجابات محدودة، فهي محكومة بظروفها، محكومة بإطارها التاريخي".

• وفي هذا المجال المستقبلي لك أن تصغي إليه، وهو يتحدث عنه في إحدى خطبه: "أَحْرص في مسيرتي بينكم أن تكون أفكاري واضحة غير ملتبسة، فأنا غالبًا حين أتحدث، أتحدث عن المستقبل بنسبة تسعين بالمائة، وأتحدث عن الحاضر بنسبة عشرة في المائة فقط؛ لسبب بسيط، هو أننا نعيش أيامًا لها ما بعدها، علِمَ من علم، وجَهِل ذلك من جَهِل، إن الذي نعيشه اليوم سيترك آثاره على مدى سنين طويلة مقبلة، ومهمة الإنسان المفكر أن يؤطر للمستقبل، وإلا فلن يكون قائدًا، ولن يكون مرشدًا، ولن يكون أهلاً لأن يستحق شرف الكلام إلى الناس، إن الحقيقة أقوى من الجميع، والعلم في الإسلام طلب الحقيقة"،هل رأيتم أعمق من هذا التحليل، وأسمى من هذا الكلام، وأشمل من هذا التصور، والأجيال الحاضرة تعيش اليوم صدقية هذا الحديث وواقعيته؛ فلعلها تستفيد من نظرات مثل أولئك الأفذاذ من مفكري هذه الأمة.

• لقد اهتم شيخُنا - رحمه الله تعالى - كثيرًا بشرْح القرآن الكريم، وفصَّل في مقاصده، وأسهب في تفسيره، وكشف عن لطائفه بخطب طوال قضى به ردحًا طويلاً من أيام حياته، فله سلسلة من الخطب في موضوع القرآن الكريم على حسب ترتيب السور في المصحف، ثم أتبعها بسلسلة ثانية من التفسير بحسب نزول الآي الكريم؛ وهي التي تُنشر الآن على "موقع أدباء الشام"، كان يرى أن مستقبل البشرية في هذا الدين، وليس لها من طريق إلا ما تركه محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، ويحمِّل المسلمين اليوم مسؤولية هذا المستقبل في فهم هذا الدين، ونشر حقائقه، وتبليغه بالوسيلة التي تلائم العصر، وتحقق الغاية، وقد بذل جهدًا كبيرًا في توجيه الشباب إلى أساليب الدعوة الناهضة، ووسائلها الناجحة، وطرائقها المناسبة في العمل والفكر والتحرُّك؛ وقد كتب في هذا المجال وثائق مُهمة؛ منها مسوَّدة المشروع المعروف "منهاج الثورة الإسلامية"، كما حدثني ذات يوم، وبعد غياب طويل، قال: "كتبت مجموعة ممتازة في نظريات الحركة للعمل الإسلامي المعاصر، وقعَّدت أسسًا فكرية متينة، لعلها تفيد في انطلاقة إسلامية سليمة؛ لكنني وبعد أن ترامت إلي أخبار سيئة من أوساط تدَّعي ولا تعمل، وتقول ولا تفعل، وتشوِّه ولا تستقيم - رأيت تأجيلها، ثم رميت بها إلى النار، وأنا أنظر إليها بأسى وحسرة".

• وقبل أن أختم هذه المقالة عن الشيخ الجليل أبي طريف - برَّد الله مضجعه، وأنزله منازل الأبرار - أحب أن أتركه يتحدث بنفسه عن معاناته في الدعوة والعمل والسلوك، كان ذلك في نهاية شرح سورة البروج، عام سبعة وسبعين من القرن الماضي، قال وبتصرف واختصار: "بقي أن أتحدث إليكم حديثًا خاصًّا، أرجو قبل كل شيء أن تسمعوه، وأرجو أن تفهموه، أنا أدلف نحو الخمسين من عمري، عشت بينكم ولكم، وقد فرضت على نفسي سلوكًا صارمًا، وطريقة لا يقدر عليها أحد - وأقول هذا تحدثًا بنعمة الله - وإذا حذفت كل شيء فلا أستطيع أن أحذف من حياتي السنوات العشر الأخيرة؛ كانت لي آمال حدثتكم ببعضها، وطويت القسم الأكبر منها، مضينا في مسيرة واحدة، كثيرًا ما قلت لنفسي: لعلك يا فلان لَم تكن موفقًا في اختيار الموضوعات، ولم تكن موفقًا في الأداء، وكنت أجرب تجربة، ومن جرب مثل تجربتي عرف الذي أعرف...، أقول لكم: إن طريق الدعوة إلى الله زرع الداء في جسمي، فيجب أن تعرفوا هذه الحقيقة"، ثم يقول بعد كلام مفصَّل: "وحين أستعرض رجال الدعوة أراهم مصرَّعين على الأرض، أو رازحين تحت أعباء الداء، ذلك قدر ولكني أقول لكم في غير مجاملة: إنني أشعر منذ زمن أنني غير مقبول وغير مفهوم؛ بسبب أن مجتمعنا هذا فيه كل شيء إلا الإسلام، والواقع أن رواسب جاهلية، وعقدًا والتواءات - لا تحسد عليها الأمة - هي التي تلبس بالإسلام وما هي من الإسلام، تجد غشًّا في التعامل، وتجد حقدًا وبغضاء، ومع ذلك تدخل المسجد فتغرُّك المظاهر، هذا هو الفارق بين الصورة الوضيئة التي نزلت على محمد - عليه الصلاة والسلام - وطبقها في عصره، وبين الصورة الكريهة التي نعيشها اليوم.

أنا الآن بحاجة إلى أن أعيد حساباتي من أولها إلى آخرها، أنا واثق ابتداء أنني كان أحب إلي ألا أعمل في هذا الميدان بالكامل، وألا أسمح لملكة الخطابة أن تعدو على ملكة الكتابة؛ وما يجد بعضكم من متاع ولذة بالاستماع إلي مرة أو مرتين في الأسبوع، كان يمكن أن يكون خيرًا منه وأبقى؛ حين أترك للناس نتاجَ عقلي وثمرة تفكيري، بل ثمرة فؤادي ووجداني، شيئًا يقرأ بعد مئات السنين أو آلاف السنين".

• هذه بعض معاناة الشيخ الجليل - رحمه الله تعالى - وأجزل مثوبته، وعوضه عما لاقى من هم الدعوة ووعثائها، وثقل المرض وبلائه، وانشغال البال واضطرابه؛ بما أعد الله سبحانه للعلماء العاملين، والدعاة المخلصين، وجمعنا بهم مع النبيين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا، وعوض الأمة عنهم خير العوض، بأجيال تأخذ أحسن ما لديهم، وتستفيد من تجربتهم، وتسير على نهجهم بما يرضي الله - تبارك وتعالى - ففي سيرته - عليه رحمات الله تعالى - الكثير من الدروس، والجم الوافر من العظات، والمُثُل النادرة من التجارب النافعة، فلقد قدمنا لمحات سريعة من سيرته ومسيرته، ولولا التطويل والإملال لقدمنا الكثير منها، لكننا نحيل القارئ الظامئ، والمتابع الطُلَعَة، لمثل هذه المعلومات النفيسة على "موقع: أدباء الشام"، على شبكة الإنترنت، وسوف يجد سلسلة خطبه التي تضم كثيرًا من أفكاره بعنوان "خطبة".

نقول هذا، ونستغفر الله العظيم من الخطأ والزلل.

ونسأل الله له الرحمة والرضوان، والحمد لله رب العالمين.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • نفثة في الذكرى التاسعة لانتقال الشيخ عبدالعزيز سالم السامرائي الفلوجي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • في الذكرى بمضي الأيام وتصرم الأعمار(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر)
  • قبل الرحيل للذكرى فقط(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ذكريات شموع الروضة (7) ذكرياتي مع محمد العبدالله الراشد وأبيه رحمهما الله (PDF)(كتاب - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • الذكرى تنفع المؤمنين (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة "وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين"(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • { فذكر إن نفعت الذكرى }(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كلمة تذكر أو الذكرى.. تأملات(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مركز يقيم ندوة عن دور المرأة في الإسلام بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيسه(مقالة - المسلمون في العالم)
  • تذكر رحيلك من الدنيا برحيل رمضان(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
2- التاریخ لا یموت
رامی امیر مشوح - ایران 25-04-2010 08:45 PM

بسم الله الرحمن الرحیم
جزاک الله خير الجزاء ياعم فاروق علی احياء ذکری وفاه عمنا العلامه محمود مشوح رحمه الله وحبذا لو تجعلوا ترجمه واسعه لعلماء العائله وکبارها حتی يعلم الجيل الجديد من هم اجداده
اسأل المولی سبحانه وتعالی ان يمد فی عمرک ويزيدک قوه وان يجمعنا معکم لنتعرف عليکم

1- بذكر الصالحين تتنزل الرحمات
قاسم - السعودية 26-01-2010 04:24 PM
بذكر الصالحين تتنزل الرحمات ، وجزاكم الله خيراً على السيرة العطرة ، ورحم الله الشيخ ولكن هل نقول إنا على آثاركم مقتدون؟ أم نقول: نحن عن آثاركم راجعون وإلى طريق غير طريقكم سالكون ؟ أسأل الله العلي القدير أن يجعلنا ممن يكون على آثارهم مقتدين مع مواكبة لتطورات العصر الحديث فمن ليس له ماضي لا حاضر له ، والله يحفظكم .
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 22/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب